لحظة وفاء

 In اخبار الكلية, انشطة الكلية
في لحظة وفاء، اجتمع طلاب قسم معلم الصفوف الأولى على كلمة واحدة، كما لو أنهم أجمعوا على أداء صلاة عرفان في محراب الإنسانية؛ قرروا أن يقيموا احتفالية تليق برجل لم يكن يومًا مجرد رئيس قسم، ولم يكن بالنسبة لهم مسؤولًا إدارياً فحسب، بل كان ظلًّا أبويًّا وصوتًا أخويًّا لا يعلو بل يُسمع حين يحتاج الطالب الى الطمأنينة. كان إذا غاب أحدهم، سأل عنه لا بحكم منصبه، بل بدافعٍ إنساني خالص. وإذا حضر، وجد منه ترحيبًا صادقًا تُزهره الفطرة. كانت ابتسامته المشرقة ومشورته الهادئة بلسمًا لكل طالب يمر بضغوط الدراسة أو الحياة.
في عهده، لم تكن أبواب القسم مغلقة ولا القلوب موصدة. كان يصغي قبل أن يتكلم، ويواسي قبل أن يحكم، ويشجّع قبل أن يقيّم. رأى في كل طالب مشروعًا مستقبليًا لا مجرد رقم في سجل أكاديمي. من أخطأ، وجده معلمًا لا معاتبًا. ومن اجتهد، وجده راعيًا لا متفرّجًا.
ولمّا انتهت فترة مسؤوليته، لم تنتهِ محبّته. فقد بقي في القلوب كما كان: كبيرًا. فقرر طلاب القسم أن يقيموا له احتفالية تليق بمكانته في قلوبهم. لم يكن هدفهم تقديم هدية، بل كانوا يريدون أن ينسجوا له ذكرى خالدة، تتألق بجمال المشاعر الصادقة والامتنان العميق. ولهذا، كانت الاحتفالية أقل ما يُهدى لرجلٍ يجيد الجمع بين الرؤية والإصغاء، بين القيادة والرعاية.
كانت تلك اللحظة أكثر من مجرد مناسبة؛ كانت درسًا صامتًا في الوفاء، وقصة تُروى عن كيف يكون أثر الإنسان أعظم من كل الألقاب، حين يزرع نفسه في وجدان الآخرين.
وبعد انتهاء الاحتفالية، حَمَلَ دكتور شاكر في قلبه ذكرى هذا اليوم، ذكرى تلامس شغاف روحه، وتؤكد له أن الأثر الحقيقي للمعلم لا يكمن في الشهادات الأكاديمية فحسب، بل في البصمة الطيبة التي يتركها في نفوس طلابه. ولقد أدرك الطلاب أيضًا أن هذه الاحتفالية لم تكن نهاية المطاف، بل كانت تجديدًا لعهد الوفاء لمن كان لهم خير الأب والأخ والمعلم.
د. حسين حويل غياض
Recent Posts

Leave a Comment

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Start typing and press Enter to search